– تأتي هذه الورقة في مرحلة حرجة من تاريخ السودان، حيث تبرز الحاجة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وصياغة علاقة أكثر تناغمًا بين الدولة والمجتمعات المحلية، خصوصًا في المناطق التي تعاني من إشكالات متعدّدة مثل شرق السودان. تبحث الورقة في إشكالية العلاقة بين البُنى التقليدية، المتمثلة في الإدارة الأهلية، والمؤسسات الحديثة، في ظل غياب رؤية واضحة تحكم هذه العلاقة وتحدد ملامح مستقبلها، مع التركيز على الإدارة الأهلية في شرق السودان كنموذج للدراسة. – تُظهر الدراسة أن السياسات السابقة فشلت في الاستفادة الإيجابية من هذه البُنى، بل ساهمت في تعميق الإشكال عبر التوظيف السياسي للإدارة الأهلية، مما انعكس سلبًا على أدائها واستقرارها وقدرتها على تمثيل مصالح المجتمعات المحلية في شرق السودان. ولا تدعو الورقة إلى إصلاح جزئي فحسب، بل إلى إعادة تعريف دور الإدارة الأهلية ضمن مقاربة الحوكمة الهجينة التي تسعى إلى دمج البُنى التقليدية – ذات الشرعية المجتمعية العميقة – داخل مؤسسات الدولة وتنظيم عملها، بما يخلق نموذجًا يعكس طبيعة المجتمع السوداني وتنوّعه. – تعتمد الورقة على تحليل نوعي يستند إلى مقابلات ميدانية مع قادة الإدارة الأهلية وأفراد من المجتمع المحلي في ولايات الشرق، إلى جانب تحليل تجارب مقارنة من دول أفريقية مثل بتسوانا وغانا، اللتين نجحتا في بناء نماذج مندمجة تجمع بين المؤسسية الحديثة والشرعية التقليدية. – وتخلص الورقة إلى مجموعة من التوصيات العملية، أبرزها: سنّ تشريع ينظم عمل الإدارة الأهلية ويحدّد صلاحياتها؛ إنشاء مجلس استشاري داخل البرلمان يضم القادة التقليديين؛ وإشراكهم في عملية التنمية عبر آليات رسمية. كما تدعو إلى تنسيق الجهود بين مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية في إطار برامج التنمية، وتحثّ الأحزاب السياسية على الالتزام بميثاق شرف يمنع استقطاب القادة التقليديين في الصراعات السياسية.



