تبدأ هذه الورقة باستعراض مفهوم الصدمة الجماعية في سياق قرية ود النورة بولاية الجزيرة، عقب اجتياحها من قِبل قوات الدعم السريع في أواخر عام 2023. ويشير مفهوم الصدمة الجماعية إلى الجروح النفسية والعاطفية التي تشترك فيها مجموعةٌ ما بعد تعرّضها لعنف جماعي أو تهديدات وجودية. وتبرز أهمية هذا المفهوم في فهم التداعيات الاجتماعية والسياسية طويلة الأمد لمثل هذه الانتهاكات، إذ لا تقتصر آثارها على الأفراد فحسب، بل تمتد لتُضعف الروابط المجتمعية وتُقوّض الإحساس الجماعي بالأمان والانتماء. إن تراكم هذه الجراح غير المعالجة يهدد بإعادة إنتاج الصراع مستقبلاً، ويقوّض فرص بناء سلام مستدام، مما يجعل إدماج البعد النفسي والاجتماعي في عمليات السلام أمراََ لا غنى عنه. وتُرسَّخ هذه النظرية من خلال التعمق في التجارب الشخصية لسكان ود النورة، حيث تُظهر النتائج أن عوامل مثل غياب التوقّع، وضخامة حجم الانتهاكات، والشعور بالعزلة الذي تلاها، قد فاقمت من حدّة الصدمة. وتكشف كذلك عن الدور الحيوي للدعم والتضامن المجتمعيين، اللذان شكّلا شريان الحياة الوحيد للسكان وآلية التكيّف الأساسية في ظل غياب أي دعم مؤسسي، فسدّا فراغاََهائلاََ خلّفه الانهيار الاجتماعي والنفسي عقب الهجوم. .كما يشير التحليل إلى الآثار النفسية والاضطرابات النفسية-جسدية العميقة للصدمة، التي لم تحظَ إلا بتدخّلات محدودة أو تم تجاهلها تماماََ وتتطرّق الورقة أيضًا إلى الفرص الضائعة في اتفاقيات السلام السابقة، وإلى التحدّيات التي تعيق فرض آليات العدالة التقليدية القائمة على الملاحقات الجنائية في السياق السوداني، فضلاََ عن غياب أيّ تدخلات للعدالة الانتقالية تُعنى بالأبعاد الاجتماعية والثقافية للسلام. وإدراكاََ لتعقيد مفهوم الصدمة الجماعية وحداثته النسبية في السياق السوداني، تؤكّد التوصيات المقترحة ضرورة تطوير مقاربات ونماذج للعدالة الانتقالية والتعافي تكون منبثقة من الواقع المحلي، وتستجيب لاحتياجات الناجين والناجيات وتطلّعاتهم. كما تشدّد الورقة على الدور الجوهري الذي يمكن أن تضطلع به منظمات المجتمع المدني في تهيئة المجتمعات للعدالة الانتقالية، من خلال تيسير النقاشات حول الآليات الممكنة لتطبيق العدالة في السودان، وإعطاء الأولوية لجهود التوثيق التي ترفع أصوات الناجين والناجيات وتحفظ رواياتهم الشخصية من التلاشي
Arabic 
English